كان خطيبي السري لمدة عشرين عاماً
ظل أخي الصغير طوالها يسألني عنه ..
أين هو .. ولما غيابه .. ؟
ومتى سيرجع!؟
ظل غائباً ...
رغم قرب الدار ..
وخفياً رغم الزيارات المتكررة ... !
كان عجوزا بما يكفي ليكون أبي ...
وفتياً بما يكفي ليكون فارساً من زمن غابر ..
تماماً كحكايا الاساطير البعيدة
كانت فروسيته ذات طابعا خاصا تتطابق مع تفكيري الطفولي للاشياء
تلك الزاوية التي تتنامى فيها مخاوفي
فيربت هو عليها بحكاياه الآتية من خلف ضباب الأيام
رجل يعرف مامعنى أن تخاف أنثى ويسكنها الأمل في بؤبؤ عينيه
فيهبها مهلة أن تعرف ملامحه ويحفر ملامح دواخلها بداخله
تلك القراءة التي لم يقرأها أحدٌ سواي ..
زاوية ظلت تسكنني أبدا
لرجل يعشق الكتب التي تزيد دواخلنا عمقاً ...
وقاماتنا طولاً ... وتمنح قلوبنا اتساعاً لا يُدرك !
أحمد ... خطيب أختي .. هكذا كان أخي يسميه ...
وعندما كان يغضب يتحول اسمه للكنة تحاكي غضبه فينتهي الاسمُ بواو وتاء ..
كان أخي الصغير وحده من يصدق أسطورة أحمد ..
كان يشاطرني نظرة الأعجاب ذاتها لكل ماكان يختبئ وراء الحكاية ..
ظلت تراوده الاحلام بيوم رجوعه أكثر مني ..
مع علمي بأنه يسكن البيت المجاور .. وجهله هو بهذا القرب ..
ذات يوم تفاجأ أخي بأن أحمد نبته عابرة من نبتات الزمن الجميل
الذي لا تتكرر فيه الصور ..
فكف عن انتظاره ...
وظل يسكنني ..
لم يعد أحمد جارنا ...
رحل بعيداً ..
انقطعت أخباره ..
وبهتت ملامحه ...
وكادت أن تتلاشى ...
ذات ليلة طلت ملامحه في وجه حبيب
أشرف من زمن لن يتكرر
ملئت عينيه دموع وصوت باهت
ادعي لأبي .. فهو يحتضر ...
كلاماته أسكنت قلبي دعاءا عريضا بمساحة الأمل الذي منحني أحمد إياه ...
أحمد فارسٌ لا يشبهه أحد ..
ولا تكرره الأيام ..